كيف اخلي ابوي يموت، قد يبدو العنوان مقززاً للبعض وقد يبدو مستغرباً للبعض الآخر أن يتمني أحدهم موت أبيه ذلك أن هكذا أمنية تبدو فكرة مستهجنة ومرفوضة من الكثيرين، لا يمكن لعاقل وصاحب شخصية سوية ومستقرة  أن يفكر فيها أو يتمناها أو حتي أن تمر و لو لأجزاء من الثانية بفكر أي منا، الأب نعمة عظيمة قد لا يشعر بعظمتها كثيرون ولكن لو نظر صاحب كل عقل إلي حال الأيتام وبؤس حياتهم نتيجة فقدانهم لآبائهم لما قصر الواحد فينا لحظة في بر والده وطاعته، ولن تفكر حينها أبداً فيها كيف اخلي ابوي يموت.

أمي هي الأمان

كثير منا يشعر بالقرب من أمه بسبب تواجدها المستمر في البيت خاصة إن لم تكن امرأة عاملة وبسبب تفانيها في خدمة الأبناء وسهر الليالي بجانبهم  وبذل كل جهد ممكن لإرضائهم وتلبية رغباتهم فيما يشتهون من طعام وشراب وغيره، ولكن الكثير منا يغفل عن تفاني والده وشقاءه وتعبه من أجل توفير أفضل حياة يستطيع توفيرها لأبنائه، وبالرغم من كل ما يعانيه الأب من ضغوط ومتاعب إلا أنه حين يعود إلي البيت يحاول أن  يتناسي كل الهموم والمتاعب ويرسم علي محياه ابتسامة جميلة من أجل أن يراه أبنائه في أجمل صورة.

الأب البطل الخارق هيرو

كثير منا لا يزال يذكر تلك الصورة الجميلة التي كان يرسمها لأبيه في طفولته وكيف كان يحتمي في حضن أبيه كلما شعر بالخوف، ولا يزال الكثير منا يذكر حجم الأمان والاطمئنان في حضن أبيه، بدفء قلب أبيه ومقدار الحب الذي يحمله في قلبه لطفله الصغير، الكثير منا لايزال يذكر كيف كان يري والده بصورة البطل الخارق الذي يستطيع هزيمة أي خوف وقادراً علي مواجهة كل خطر، كثير منا لا يزال يذكر أبيه بصورة المتعلم المثقف الذي يستطيع إجابة أي سؤال في أي مجال، وكيف كان رجلا يهابه الجميع ويخشون نقاشه لأنه الأكثر ثقافة من غيره حتي لو لم يكن له نصيب من العلم، وكيف كان قادراً علي كسب أي نقاش بينه وبين الآخرين.

القرآن الكريم وبر الوالدين

كلنا نقرأ كتاب الله عز وجل ونحفظ الآية الكريمة ”  وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ” آية 23، 24سورة الإسراء، ولمن يتفكر في هذه الآيات يجد أن الله سبحانه وتعالى قد ربط عبادته وحده لا شريك له بالإحسان إلي الوالدين وفي ذلك دلالة كبيرة علي عظم شأن الوالدين، ووجوب الإحسان إليهم لأن ذلك مقترنا بعباده الله سبحانه وتعالى وطاعته.

وفي آيه أخري يقول الحق سبحانه وتعالى ” وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا  وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا..” في هذه الآية يوضح لنا رب العزة الأمر الوحيد الذي يجوز للأبناء رفضه وعدم طاعة والديه فيه وهي أن يدعوا الوالدين أبنائهم للشرك بالله، ومع ذلك يأمرنا الله سبحانه وتعالى بعدم الإساءة إليهم و وجوب برهم وعدم تركهم ومصاحبتهم بالمعروف.

السنة النبوية  وبر الوالدين

حث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم علي بر الوالدين لما فيها من فضل وأجر وبركة في العمر وسعة في الرزق فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث مختلفة تحثنا على بر الوالدين وتبين فضلهما ومنها ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أحبَّ أن يُمَدَّ في عُمرِهِ، وأن يُزداد في رزقهِ، فليبَرَّ والديه، وليصلَ رَحِمهُ”.

وقد ورد عن كعب بن عُجرة، قال: (“مرَّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فرأى أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلَّم من جِلدهِ ونشاطهِ، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيلِ الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن كان خَرجَ يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسهِ يُعِفُها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياءً ومُفاخرةً فهو في سبيل الشيطان”).

لماذا يدعو الأبناء علي الآباء – كيف اخلي ابوي يموت

للأسف أصبحنا نعيش واقعاً صنعته لنا وسائل الإعلام المختلفة وحددت فيه مفهوم الحرية الشخصية وأسلوب الاستمتاع بالحياة، ولم تترك للكثير منا خيارات الرفض أو حق تعديل بعض المفاهيم، واقع أصبح فيه الكثير من الإغراءات للتخلي عن عادات وتقاليد عاشت فينا وعشنا معها مئات السنين بل آلاف السنين، عادات وتقاليد حافظت بالدرجة الأولى علي الأسرة وتماسكها وحافظت علي دور الوالدين في تربية الأبناء ودور الأبناء في احترام الآباء واحترام قراراتهم، لكن للأسف الواقع الجديد أفرز أسلوب حياة سيطرت علي عقول الشباب والفتيات متأثرين بما يشاهدون ويسمعون، واقع أشعل الصراع بين أسلوب حياة يريده الأبناء وآخر يريده الآباء ويرون أنه الأفضل للتربية والحفاظ علي الأبناء والابتعاد بهم عن أي أخطاء أو رفقاء سوء.

 واقع زاد سوء الفهم بين الآباء والأبناء

واقع زاد من الضغوط علي الآباء في محاولة خلق توازن بين ما يرون أنه الأفضل لأبنائهم ومساحة الحرية الواجب إعطاؤها تماشيا مع التغيير في الأفكار وأسلوب الحياة والاعتماد على النفس، بالإضافة إلي تغييرات اقتصادية تسببت بقلة فرص العمل و زيادة متطلبات الحياة، كل ذلك جعل بعضا من الآباء غير قادرين عن التعبير عن حبهم لأبنائهم ورغبتهم في رؤية أبناءهم سعداء، وجعل البعض يعاني دائما من ضغوط عصبية لم ينجحوا في تخطيها والتعامل معها مما جعلهم في أغلب الأوقات بمزاج سيء وعصبي وقد يلجأ البعض منهم الي الصراخ للتخلص من تلك الضغوط.

ويبدو أن الكثير من الأبناء لا يشعرون ولا يستطيعون فهم ما يعانيه الآباء و حجم الضغوطات التي يعانون، ويصعب عليهم التفريق بين خوف الآباء علي أبناءهم ورغبتهم في تربيتهم أفضل تربية ويعتقدون أن صراخ الآباء أو العصبية التي يعانون تأتي من باب عدم الثقة فيهم أو من باب الرغبة في التحكم بهم وبمصيرهم بما يملكون من سلطة إطعامهم و توفير السكن لهم، أو من باب أنهم يعيشون أفكاراً عفا عليها الزمن ولم تعد صالحة لزماننا هذا.

كيف اخلي ابوي يموت وحكم تمني موت الأب

اعلموا أيها الأبناء أن الدعاء علي الآباء هو عقوق كبير حتي لو كان الوالد سيئا يرتكب الآثام والمعاصي فمن العقوق الدعاء عليه وتمني الموت له وهو علي معصية، عليكم أيها الأبناء دائما أن تبروا والديكم مهما كنتم تحسبون ان تصرفاتهم سيئة ويكفيك أن تتذكر أن الله سبحانه وتعالى أمرك بالإحسان إليهم وعدم تركهم حتي لو دعوك إلى الشرك به وليس أعظم من الشرك بالله ذنبا.

الأبناء دائما تُحركهم الأنانية التي تجعلهم يرفضون كل قرار وكل نصيحة  وتغمض أعينهم عن رؤية حب الآباء لهم، وأحلام الآباء العظيمة التي يسعون جاهدين لتحقيقها لأبنائهم، تلك الأنانية التي تصم آذانهم عن دعوات الآباء لهم بالهداية والصلاح وعن كل تنهيدة حزن علي الأبناء و واقعهم الصعب الذي يعيشون.

خاتمة ندم على سؤال كيف اخلي ابوي يموت

الأبناء لن يفهموا معني الأبوة وتضحياتها حتي يصبحوا آباء، حينها ستنفجر داخلهم مشاعر الأبوة وسيشعرون بالندم علي كل لحظة عقوق للوالدين ويتمنون حينها لو يعود بهم الزمن لتغيير الكثير الكثير مما فعلوه، حتى أن الكثير منهم  عندما يصبح أب يتقمص شخصية والده في تربية أبناءه لاقتناعه بأن والده لم يكن مخطئا البتة وان كل قرار ونصيحة رفضها حين كان شابا كانت من أجله ومن أجل مصلحته ومستقبله، وحينها سيعلم أن لا إنسان في هذا الحياة يحب أن يري من هو أفضل منه إلا الأب الذي يتمني دائما أن يكون أبناءه أفضل منه، لا تجعل نفسك تندم حتى على مراودة نفسك سؤال كيف اخلي ابوي يموت.