قصة أصحاب الكهف مختصرة ، واحدةٌ من أعظم القصص القرآنيّة التي ذكرها القرآن الكريم وتحديدًا في سورة الكهف، وقد كانت هذه القصّة مليئة بالأحداث والمواعظ والعبر التي ينبغي لكّ مسلم أن يقوم بأخذها وتعلّمها والاتّعاظ بها، فالله -سبحانه وتعالى- جعل لقرآن الكريم مصدر التشريع الأول للمسلمين، وجعل فيه القصص للنّاس لتسهيل التّعلّم وتوضيح المعنى بأقوى شرح طريقة وأسهلها، وفي هذا المقال يهتمّ بتلخيص قصة أصحاب الكهف وبيان المواعظ والعبر المستفادة منها.

مقدمة في سورة الكهف

سورة الكهف هي السّورة التي وردت فيها قصّة أصحاب الكهف، وقدّ سمّيت بهذا الاسم لورود هذه القصة فيها، وسورة الكهف هي سورة مكّية، ترتيبها في القرآن الكريم 18 بين السّور، حيث أنّها تقع بعد سورة الإسراء وقبل سورة مريم، عدد آياتها يبلغ 110 آية، وتقع في الجزأين الخامس عشر والسادس عشر، وفيها الكثير من المواضيع التي تتناولها، وهي سورةٌ لها فضلٌ كبير، فقراءتها يوم الجمعة نورٌ لما بين الجمعتين، فيستحبّ قراءتها يوم الجمعة للمسلمين، وإنّ أوّل عشر آياتٍ منها تعصم المسلم من فتنة المسيح الدّجال، وهي السّورة الوحيدة التي تحدّثت عن أصحاب الكهف وذي القرنين.

حول أسلوب القصص في القرآن الكريم

قبل الاطّلاع على قصة أصحاب الكهف مختصرة، لا بدّ من التّعريف بأسلوب القصص في القرآن الكريم، حيث أنّ القرآن الكريم لم يعتمد أسلوبّا واحدًا ليوصل رسالته للمسلمين، بل اعتمد الكثير من الأساليب كالحوار وضرب المثل، والتّوجيه وغير ذلك، ولعلّ أسلوب القصّة من الأساليب التي اتّبعها القرآن الكريم واهتمّ بها، وذلك لما يتميّز به هذا الأسلوب من تشويق وقدرة على الموعظة وإيصال العبرة للنّاس، فالقصّ يعني تتبّع الأثر في اللغة، لكنّه في الاصطلاح إخبارٌ عن قضيّة ذات مراحل يتبع بعضها بعضًا، وقد تضمّنت القصص في القرآن الكريم ثلاثة أنواع لا رابع لها وهي

  • قصص الأنبياء بيّنت بعثتهم لأقوامهم ودعوتهم لهم، والمعجزات التي قدّموها.
  • قصص الحوادث الغابرة  كقصّة طالوت وجالوت وابني آدم وأهل الكهف الذي سيتمّ الحديث عن قصة أصحاب الكهف مخصرة في هذا المقال.
  • قصص عهد النّبي وهي تصف بعض الأحداث التي وقعت في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كوصف الإسراء والمعراج، والغزوات وغير ذلك.

قصة أصحاب الكهف مختصرة

إنّ قصة أصحاب الكهف مختصرة، هي قصّة من قصص القرآن الكريم التي تحكي عن أهل الكهف، وهي القصّة المحوريّة والرئيسة التي تدور حولها سورة الكهف، وورودها فيها هو سبب تسمية السّورة بهذا الاسم، حيث أنّ أصحاب الكهف هم أولئك الفتية الذين آمنوا بالله الواحد الأحد، ورفضوا عبادة الأوثان، والتي كانت شائعةً في عصرهم، ممّا عرّضهم للنّفي والمُلاحقة من طرف شعبهم وجنود الملك في ذاك الزمان، ويُطلق عليهم اسم السّبعة النائمون في المسيحية.

هروب أصحاب الكهف من قومهم

نال أصحاب الكهف الكثير من الاضطّهاد والتنكيل لعبادتهم لله الواحد الأحد، ممّا دفعهم للهرب خوفًا من القتل والمزيد من العذاب، فهم كانوا موحدين يعبدون الله دون الأصنام في زمنٍ كان ينتشر فيه الكفر وعبادة الأوثان ويحكم فيه ملكٌ وثنيٌ ظالم، ولما شاهد الفتية الظّلم والعذاب والتّنكيل الذي يناله أهل الإيمان، خافوا على أنفسهم من البطش ففرّوا خارج المدينة وقد طاردهم جنود الملك الظّالم، فوصلوا لكهفٍ مهجور في أعالي أحد الجبال، فألهمهم الله أن يلجأوا إليه، فدخلوه ودخل معهم كلبهم الذي يرافقهم في رحلتهم.

نوم أصحاب الكهف في كهفهم

بدخول الفتية للكهف أنزل الله عليهم النّعاس والنّوم، فناموا بقدرة الله حتّى أنّ الله -سبحانه وتعالى- كان بأمره يقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال، وكلبهم ينام عند باب الكهف وكأنّه يحرسهم، وكذلك فإنّ الله وضع لهم أشكالًا غريبةً في نومهم، فمن كان يدخل عليهم ويراهم كان يفرّ خائفًا مرعوبًا، وهذا من فضل الله حتّى يُبعد عنهم من كان يطاردهم من الظّالمين، حتّى تركهم الجنود والملك وعادوا خائبين خائفين، وشاء لهم الله أن يناموا في الكهف ثلاثمائةٍ وتسع سنين وعلمهم عند الله، ولم يكن أحدهم يعرف أعدادهم الحقيقيّة، بل كلّ ما ورد كان مرويًّا وغير ثابت.

استيقاظ أصحاب الكهف

بعد مشيئة الله -سبحانه وتعالى لأصحاب الكهف أن يناموا في كهفهم، حان الوقت لاستيقاظهم ونهوضهم من رقودهم ونومهم، فاستيقظوا بأمر الله، وأخذوا يتساءلون عن مدّة يومهم لرؤيتهم لتغير حال الكهف من حولهم، فقالوا ربما نمنا يومًا أو بعض يوم، وقد شعروا بجوعٍ شديد فاختاروا من بينهم واحدًا ليذهب للمدينة ويأتي ببعض الطّعام، وأوصوه أن يأخذ حذره حتّى لا ينتبه له جنود الملك الظّالم، ولكنّ مشيئة الله أرادت أن يعرف بهم النّاس ليكونوا آيةً للنّاس وإثباتًا لقدرة الله وعظمة مشيئته، فعرفهم القوم وعاشوا بعد استيقاظهم في زمنٍ ساده توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له.

الآيات التي تحدّثت عن أصحاب الكهف

إنّ قصة أصحاب الكهف لم ترد إلا في سورة الكهف في القرآن الكريم، وإنّ الآيات التي تناولتها سيتمّ ذكرها فيما يأتي، حيث قال تعالى

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا * نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُونهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا * ۞ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا * وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا * وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا * وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا * سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا (* وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا * وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}.

أهم المواعظ والعبر من قصة أصحاب الكهف

يستفيد المسلم من قصة أصحاب الكهف مختصرة بالكثير من الثّمرات والموعظة والعبرة التي تدرّسها أحداثها، ومن تلك المواعظ والعبر ما يأتي

  • لا بدّ للمسلمين أن يقوموا مدافعين عن دين الله وتوحيده أمام الشّرك والكفر، والامتثال لله -سبحانه وتعالى- وطاعته في كلّ الظّروف.
  • على كلّ مسلم أن يتعلّم الصّبر في حياته فيصبر على كلّ الظّروف، ويثبت على دينه حتّى مماته.
  • إنّ التّوكّل الحقّ يكون على الله وحده، فمن توكّل على الله كفاه، وأنزل عليه سكينته ورحمته.
  • إنّ الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- أقوى بكثير من كلّ القوى البشريّة المادّية، فهو سبحانه القاهر فوق عباده.
  • لا بدّ لكلّ مسلم أن يعتزل أهل الكفر، فهذا الأمر من أهمّ الخطوات ليرتقي بنفسه عن الكفر وأهله.
  • إنّ المسلم دائمًا مُبتلى، وصبره وثباته هو نجاحه في هذا الابتلاء والذي ينال به الرّقي بالدّرجات والفوز برضى الله.

مجموعة قصص وردت في سورة الكهف

سنتحدّث فيما يأتي عن القصص الأربعة الّتي وردت في سورة الكهف، والّتي تحمل بين كلماتها العديد من الأحكام والمعاني السّامية والعظيمة، وهذه القصص هي على النّحو الآتي

قصة صاحب الجنتين

تحكي هذه القصّة القرآنيّة عن رجلين رزق الله تعالى أحدهما حديقتين أو مزرعتين متجاورتين يفصل بينهما نهر، وكان الرجلان تجمعهما صحبةٌ ومعرفة، لكنّ أحدهما كان مؤمناً ابتلاه الله تعالى بالفقر وضيق الرّزق، كذلك قلّة الأولاد، والآخر كان كافراً آتاه الله تعالى رزقاُ واسعاً وخيراً وبنيناً كثيراً، وذلك أيضاً بلاءٌ منه تعالى ليختبره، وكان الكافر صاحب الجنّتين يجني من هاتين المزرعتين مالاً كثيراً، فاغترّ الكافر بجنّتيه والرّزق الذي بين يديه، وافتخر واختال بهما أمّام صاحبه المؤمن، وتكبّر عليه فقال أنّه يملك جنّتان لن يفنى ما فيهما أبداً، وأنّ الرّزق الّذي يجنيه منهما لن ينفد أبداً وذلك أمرٌ أبديٌّ محتوم، كما قال بأنّه لا وجود للبعث بعد الموت، ولا وجود للجنّة أو النّار إطلاقاً، فقال له صاحبه المؤمن في شيءٍ من النّصح بأن عليه أن يؤمن بالله تعالى وأن يستغفره لما قال عن البعث والآخرة، كذلك ذكّره بأن كلّ ملكه من فضل الله تعالى عليه وكرمه، ومن واجبه شكر الله تعالى لئلّا يبتليه بفقدان هذه النّعم، لكنّ صاحبه الكافر زاد استكباره وغروره ولم يستمع أو ينصت لكلام صاحبه، وفي ساعةٍ من ساعات اللّيل أرسل الله تعالى صاعقةً أحرقت كلا الجنّتين، وأفنتهما وأبادتهما، فاصطبح الكافر على هذا الأمر الّذي أصابه، وندم ندماً شديداً لعدم استماعه لقول صاحبه المؤمن.

قصة آدم عليه السلام مع إبليس

ذُكر في سورة الكهف آيةٌ كريمة تتحدّث عن قول الله تعالى للملائكة وإخبارهم بأنّه سبحانه سيستخلف في الأرض بشراً مخلوقاً من طين، وحين خلقه الله تعالى، أمر الملائكة بالسّجود له، فامتثلت الملائكة جميعها لأمر الله تبارك وتعالى، إلّا إبليس الّذي كان من الجنّ، استكبر وكفر، وعصى الله تعالى واغترّ بنفسه بأنّه أشرف وأعلى مكانةً من الإنسان المخلوق من الطّين، فطرده الله تعالى من رحمته، ووعده بجهنّم وبئس المصير.

قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح

قد ذكر الله تعالى في سورة الكهف قصّة الرّجل الصّالح الّذي أُطلق عليه اسم الخصر، والّذي كان زاخر العلم له الكثير من الكرامات والامتيازات الّتي خصّه بها الله -تبارك وتعالى- فكان يجوب الأرض ليعلّم النّاس ويصلح الله تعالى على يديه شؤونهم، وقابله كليم الله موسى عليه السّلام، ليأخذ عنه من العلم الّذي آتاه إيّاه الله تعالى، وذلك بأمرٍ من الله تبارك وتعالى، وعندما طلب منه موسى عليه السّلام أن يكون تلميذه فيعلّمه أجابه العبد الصّالح بأنّه لن يستطيع الصّبر على ما سيرى معه، فما كان من كليم الله تعالى إلّا أن وعده بأن يكون صبوراً، فقال له العبد الصّالح بأن عليه أن يصبر على كلّ أمرٍ يحدث ولا يجد له تفسيراً ومبرّراً، فوافق النّبيّ موسى عليه السّلام، وركب معه سفينة لرجالٍ يعملون في البحر، فثقب العبد الصالح هذه السّفينة، فاستنكر النّبي موسى عليه فعلته هذه، وسأله عن التّفسير، فذكّره العبد الصّالح بأنّه لن يصبر على ما سيرى معه، فسكت النّبيّ، ومن ثمّ وبعد فترةٍ لقيا غلاماً يمشي فأقد العبد الصّالح عليه وقتله، فقال موسى للعبد الصّالح أتقتل نفساً حرّمها الله تعالى عليك بغير حق فأجابه العبد الصّالح بأنّه غير صبورٍ ولن يستطيع الصّبر على ما سيرى بعد، فاعتذر نبيّ الله منه وقال له إن سألتك عن شيءٍ آخر، فاتركني ولا تصاحبني، فأقبل الاثنان على قرية، فأبى أهل القرية استضافتهما وإكرامهما، ووجد العبد الصّالح جداراً على وشك الانهيار فأقامه فقال له موسى لماذا أقمته دون أن تأخذ من أصحابه أجراً على ذلك، فقال له العبد الصّالح بأنّ هذا فراقٌ بيني وبينك وسأبلغك بتفسير الأمور الّتي سألتني عنها سابقاً، فأمّا السّفينة فهي للمساكين يعملون في الصّيد والبحر، وأردت أن أثقبها لأعيبها لكي لا يأخذها ملك بلادهم غصباً وظلماً، وأمّا الغلام الّذي قتلته فكان كافراً ظالماً يُكره أبويه على الكفر بعد أن آمنوا، وعسى الله أن يبدلهما خيراً منه، والجدار الّذي أقمته ورممته دون أجرٍ، يوجد من تحته كنزٌ للولدين يتيمين كان أبوهما صالحاً وقضى الله تعالى أن يستخرجا الكنز بعد أن يشتدّ عودهما ويبلغا سنّ الرّشد، وبعد ذلك فراقه النّبي عليه السّلام وكلّ مضى في سبيله.

قصة ذي القرنين

إنّ ذي القرنين هو رجلٌ صالحٌ عل الله تعالى ملكاً عظيماً، وجعله حاكماً عادلاً مؤمناً ومنصفاً، وقد كان يجول في الأرض يساعد النّاس وينشر بينهم شريعة التّوحيد، وقد مكّنه الله تعالى في الأرض، حتّى بلغ مشرق ومغرب الأرض، وعندما بلغ مغرب الشّمس وجد عندها قوماً يحكمهم ملكٌ فاسق، فلمّا استولى على مقاليد الحكم عند هذا القوم، عامل المؤمنين منهم بمعاملةٍ طيّبة ٍوأحسن إليهم، وأمّا الكفّار والفسّاق الّذي يعيثون فساداً فعذّبهم وقتلهم، ومن ثمّ ذهب إلى مطلع الشّمس، فوجد عن مطلعها قوماً يعيشون بدون مساكن وتسودهم الهمجيّة والوحشيّة، فعلّمهم وأعطاهم من العلم والأسباب الّتي آتاه إياها الله تعالى، ومن ثمّ جال في الأرض حتّى وصل إلى قومٍ يعيشون بين السّدين، أي يعيشون بين سلسلتي جبال، وكان هؤلاء القوم يتكلّمون لغةً أعجميّة واشتكوا لذي القرنين أذى قبيلتي يأجوج ومأجوج الّذين يعيثون فساداً ويأكلون كل ما يروه، فبنى بين القوم وبين يأجوج ومأجوج سدّاً عالياً متيناً قويّاً، لن تستطيع يأجوج ومأجوج حفره ولا تسلّقه إطلاقاً، إلّا حين يأذن الله تعالى بذلك، وكان ذو القرنين يشكر الله تعالى على ما آتاه من هذه الحكمة والعلم والقوّة والتّمكين، ويعوز بكلّ ذلك إلى رحمة الله تعالى وفضله عليه.