هل يجوز تهنئة المسيحيين بأعيادهم،  المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، كلمة الله وروح منه رسول الله إلى بني اسرائيل، من أولي العزم من الرسل ولا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن بسيدنا عيسى نبي الله كما يؤمن بباقي الأنبياء والمرسلين، وحيث يحتفل المسيحيون هذه الأيام بميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وتتجلى مظاهر الاحتفال بأعياد الميلاد المجيد والكريسمس في معظم الدول، يتساءل المسلمون الذين يتواجد بينهم إخوان وجيران مسيحيون ويعيشون بينهم هل يجوز تهنئة المسيحيين بأعيادهم.

مولد المسيح عيسى ابن مريم ونشأته

بحسب ما ورد في القرآن الكريم، نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام وُلد من غير أب، وهي معجزة من معجزات الله سبحانه وتعالى ويذكر القرآن الكريم قصة المَلَك الذي أرسله الله سبحانه وتعالى للسيدة مريم بنت عمران يحمل لها البُشرى بطفل تحمله في أحشائها وتضعه ليكون نبياً ومرسلاً إلى قومه، ويذكر كذلك القرآن الكريم ردة فعل السيدة مريم واستغرابها من أنها ستحمل في أحشائها طفلاً وهي لم تتزوج ولم ترتكب محرماً، ثم يأتي القرآن على ذكر ذلك مخاضها وميلاد النبي عيسى عليه السلام وما عانته أمه في ولادته، وأمنيتها في مخاضها بأنها لو لم تكن موجودة في هذه الحياة.

وبعد ذلك يروي لنا القرآن الكريم ردة فعل أهل السيدة مريم وتذكيرها لهم بصلاحها وتعبدها واستغرابهم من أنها أصبحت أماً من غير زواج، وهنا تأتي المعجزة الإلهية بكلام سيدنا عيسى في مهده وهو لايزال حديث الولادة مع قومه ليوضح لهم حقيقة معجزة الله بمولده من غير أب ومن ثَم بعفة والدته وصلاحها، وُلد نبي الله عيسى ابن مريم في بيت لحم في فلسطين، ومنها بدأ رحلة النبوة في دعوة قومه إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.

الاختلاف بين المسلمين والمسيحين في نبوة عيسى عليه السلام

رأي المسلمين في نبوة سيدنا عيسى ابن مريم

يؤمن المسلمون بأن نبي الله عيسى هو أحد الأنبياء والرسل، الذي أرسلهم الله عز وجل لهداية البشر لعبادته وحده لا شريك له وليبين لقومه ما أُحل لهم وما حُرم عليهم، وليكمل كما قبله من الرسل ومن بعده رسالة الله إلى بني آدم التي تبدأ بالإيمان بالله وتستمر حتى توضح للبشر حقيقة معيشتهم على هذه الأرض، والأسلوب الأمثل للحياة الذي يحفظ لكل إنسان كرامته وحقوقه وما سيأتي بعد الموت من حساب فيه الثواب والعقاب.

رأي المسيحيين في نبوة عيسى ابن مريم

المسيحيون يعتقدون بأن سيدنا عيسى عليه السلام هو ابن لله عز وجل ذلك الأمر الذي يرفضه المسلمون لإيمانهم -وهو الحق-  بأن الله تعالى واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ويختلف المسيحيون فيما بينهم في تعريف تلك البنوة فمنهم من يعتقد بها مجازياً لاعتقاده بأن نبي الله عليه السلام هو الطريق إلى الله والجنة ونعيمها ومنهم من يعتقد أن تلك البنوة حقيقةً لا شك فيها وأن نبي الله عيسى هو ابن الله فعلاً وخلاف آخر بين المسلمين والمسيحيين، فالمسيحيون يؤمنون بأن عيسى عليه السلام قد صُلب ولكن المسلمين وبناءً على ما ورد في القرآن الكريم يؤمنون بأن من صُلب هو شبيه لسيدنا عيسى عليه السلام، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الطرفان اتفقا على أن الصَلب قد حدث بالفعل وظلت قضية الخلاف هي من الذي صُلب.

الاختلاف بين المسيحيين على ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

المسيحيون أنفسهم أيضاً يختلفون في موعد ميلاد عيسى ابن مريم، فبحسب التوقيت الغربي يحتفل المسيحيون الغربيون بميلاد المسيح يوم الخامس والعشرون من ديسمبر، ويحتفل به الشرقيون يوم السابع من يناير في كل عام، ويقول البعض بأن يوم الخامس والعشرين لم يكن ميلاد المسيح عيسى ابن مريم وإنما اتخذه المسيحيون يوماً للاحتفال بميلاد المسيح وهو اليوم الذي سمح فيه امبراطور الرومان قسطنطين بالتعدد الديني، وسمح للناس بإتباع الدين المسيحي وكان ذلك القرار يعني نهاية الحقبة السرية للمسيحية، في اليونان يسود الاعتقاد بأن ميلاد نبي الله عيسى ابن مريم كان يوم الثاني من نيسان، بينما يعتقد الروس بأن ميلاد المسيح عيسى ابن مريم كان يوم 19 مايو، ويقترح الفاتيكان يوم 21 نيسان موعداً لميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.

هل يجوز تهنئة النصارى بأعيادهم.. سؤال كل عام

تختلف الفتاوى في هذه المسألة بين التخفيف والتشديد وإن اتفق الطرفان على مُحددات لا يُمكن القفز عنها أو تجاهلها، فالفتوى هنا تتعلق بالتهنئة فقط دون مشاركة النصارى احتفالاتهم، والتي قد حرمها جميع علماء المسلمين والتي قد يفهمها البعض أي مشاركة النصارى أعيادهم موافقةً واعترافاً بما يقولون وذلك يمس العقيدة الإسلامية، وقد صدرت فتاوى تُحرم تهنئة النصارى بأعيادهم ولا زال بعض العلماء يتناقلونها ويصرون عليها دون تغييرها.

بينما يعتقد آخرون بأن الزمن قد تغير وأن تلك الفتاوى قد جاءت في وقتٍ لم يكن المسلمون يُشكلون جزءاً من النسيج المجتمعي في عدة دول غربية، يحملون جنسياتها ويلتزمون بقوانينها لذلك أفتوا بجواز تهنئة النصارى بأعيادهم مع إنكار ما يمس العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتكون التهنئة من باب المجاملة والحفاظ على الصداقة والزمالة التي يتمتع بها كثير من المسلمين من جيرانهم وزملائهم النصارى في البلاد التي يعيشون فيها، أو حتى بلادنا الإسلامية التي يُشكل فيها المسيحيون جزءاً من بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

الفتوى بين التشديد والتخفيف

من المعلوم أن المسائل الشرعية التي يجوز فيها الاجتهاد تضع بين أيدينا العديد من الفتاوي منها المتشدد ومنها من يتجه إلى التخفيف، وخصوصاً أن فتاوي الاجتهاد تخضع في إصدار الفتوى لمكان وزمان إصدارها، وقد تتغير الفتوى أو تُخفف طبقاً للتغيرات الزمانية والمكانية، ومن هنا في حكم تهنئة النصارى في أعيادهم وهل يجوز تهنئة النصارى بأعيادهم نضع بين أيديكم فتاوى كبار علماء المسلمين والهيئات الإسلامية في حكم تهنئة النصارى بأعيادهم.

فتوى ابن عثيمين في إقامة الحفلات بمناسبة أعياد المسيحيين أو الذهاب إلى أماكن هذه الحفلات

  • قال الشيخ ابن عثيمين: فتاوى العقيدة لابن عثيمين، ص٢٤٧
    • يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم).
  • قال الشيخ ابن عثيمين: فتاوى العقيدة لابن عثيمين، ص٢٤٨
    • (من فعل شيئاً من ذلك فهو آثم، سواء فعله مجاملةً أو تودداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم).

فتوى حكم تهنئة المسيحيين بأعيادهم لابن باز

  • قال ابن باز في حكم تهنئة الكفار بأعيادهم مسيحيين وغيرهم.

“هذا لا يجوز، تهنئة الكفَّار بأعيادهم مُشافهةً، أو من طريق الهاتف أو بأوراقٍ تُطبع، كل هذا منكر لا يجوز من المسلم لا في بلاد الإسلام ولا في غير بلاد الإسلام، لا يُهنِّئهم بأعيادهم ولا يُشاركهم فيها ولا يعمل معهم فيها ويُعينهم عليها؛ لأنَّ هذه إعانة على الباطل فلا يشترك معهم، ولا يُعينهم ولا يُهنّئهم بأعيادهم الباطلة”.

فتوى الأزهر الشريف في تهنئة المسيحيين بأعيادهم

  • في حكم تهنئة المسيحيين بأعيادهم صدر عن دار الإفتاء للأزهر ما يلي:

“تهنئة المسيحيين بأعيادهم أمر مرحب به شرعا إذ يصنف مثل التعبير عن الإحسان إليهم والبر بهم ويدخل في باب لين الكلام وحسن الخطاب، وهذا ما أمر به الله” ، وقد استشهدوا بالآيات من القرآن الكريم والتي تحث على حسن معاملة النصارى قال الله تعالى:”لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ في الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ”.

خاتمة في تهنئة المسيحيين بأعيادهم

هل يجوز تهنئة المسيحيين بأعيادهم، تكلمنا في الفتاوى في هذا الأمر، وعلينا أن نعلم جيداً أن الأعياد دائماً ما تكون فرصة مناسبة لإظهار الحب والاهتمام، لذلك على الجميع أن يحيا الأعياد بالشكل الذي يجعله يشعر بالسعادة وينقل شعوره بالسعادة للآخرين دون أن تمس عقيدته الإسلامية الصحيحة، هذا والله تعالى أعلى وأعلم.